فصل: البدعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


البدعة

ما هي البدعة

‏(‏345‏)‏ سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى -‏:‏ عن البدعة‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ البدعة قال فيها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار‏)‏‏.‏ وإذا كان كذلك فإن البدع سواء كانت ابتدائية أم استمرارية يأثم من تلبس بها لأنها كما قال الرسول، عليه الصلاة والسلام ‏:‏ ‏(‏في النار‏)‏ ؛ أعني أن الضلالة هذه تكون سبباً للتعذيب في النار ، وإذا كان الرسول ، عيه الصلاة والسلام حذر أمته من البدع فمقتضى ذلك أنها مفسدة محضة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، عمم ولم يخص قال‏:‏ ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏ ‏.‏

ثم إن البدع في الحقيقة هي انتقاد غير مباشر للشريعة الإسلامية ؛ لأن معناها أو مقتضاها أن الشريعة لم تتم،وأن هذا المبتدع أتمها بما أحدث من العبادة التي يتقرب بها إلى الله كما زعم‏.‏

فعليه نقول‏:‏ كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، والواجب الحذر من البدع كلها وألا يتعبد الإنسان إلا بما شرعه الله ورسوله ، صلى الله عليه وسلم ، ليكون إمامه حقيقة لأن من سلك سبيل بدعة فقد جعل المبتدع إماماً له في هذه البدعة دون رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ‏.‏

معنى البدعة وعن ضابطها‏؟‏ وهل هناك بدعة حسنة

‏(‏346‏)‏ وسئل ‏:‏ عن معنى البدعة وعن ضابطها‏؟‏ وهل هناك بدعة حسنة ‏؟‏ وما معنى قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة‏؟‏ ‏)‏

فأجاب بقوله ‏:‏ البدعة شرعاً ضابطها ‏"‏ التعبد لله بما لم يشرعه الله‏"‏ ، وإن شئت فقل ‏:‏ ‏"‏التعبد لله - تعالى بما ليس عليه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولا خلفاؤه الراشدون‏"‏ فالتعريف الأول مأخوذ من قوله- تعالى-‏:‏ ‏{‏أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله‏}‏ والتعريف الثاني مأخوذ من قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور‏)‏ فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع سواء كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أو فيما يتعلق بأحكامه وشرعه‏.‏ أما الأمور العادية التي تتبع العادة والعرف فهذه لا تسمى بدعة في الدين وإن كانت تسمى بدعة في اللغة ، ولكن ليست بدعة في الدين وليست هي التي حذر منها رسول الله، صلى الله عليه وسلم ،

وليس في الدين بدعة حسنة أبداً ، والسنة الحسنة هي التي توافق الشرع ، وهذه تشمل أن يبدأ الإنسان بالسنة أي يبدأ العمل بها، أو يبعثها بعد تركها ، أو يفعل شيئاً يسنه يكون وسيلة لأمر متعبد به فهذه ثلاثة أشياء‏:‏

الأول ‏:‏ إطلاق السنة على من ابتدأ العمل ويدل له سبب الحديث فإن النبي، صلى الله عليه وسلم ، حث على التصدق على القوم الذين قدموا عليه ، صلى الله عليه وسلم ، وهم في حاجة وفاقة ، فحث على التصدق فجاء رجل من الأنصار بصرة من فضة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي ، عليه الصلاة والسلام ، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم ، ‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها‏)‏ فهذا الرجل سن سنة ابتداء عمل لا ابتداء شرع‏.‏

الثاني ‏:‏ السنة التي تركت ثم فعلها الإنسان فأحياها فهذا يقال عنه‏:‏ سنها بمعنى أحياها وإن كان لم يشرعها من عنده‏.‏

الثالث‏:‏ أن يفعل شيئاً وسيلة لأمر مشروع مثل بناء المدارس وطبع الكتب فهذا لا يتعبد بذاته ولكن لأنه وسيلة لغيره فكل هذا داخل في قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها‏)‏ ‏.‏ والله أعلم‏.‏

كيف يتعامل الإنسان الملتزم بالسنة مع صاحب البدعة‏؟‏ وهل يجوز هجره‏؟‏

‏(‏347‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ كيف يتعامل الإنسان الملتزم بالسنة مع صاحب البدعة‏؟‏ وهل يجوز هجره‏؟‏ ‏.‏

فأجاب بقوله ‏:‏ البدع تنقسم إلى قسمين ‏:‏

بدع مكفرة ، وبدع دون ذلك وفي كلا القسمين يجب علينا نحن أن ندعو هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام ومعهم البدع المكفرة وما دونها إلى الحق؛ ببيان الحق دون أن نهاجم ما هم عليه إلا بعد أن نعرف منهم الاستكبار عن قبول الحق لأن الله - تعالى - قال للنبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم‏}‏ فندعو أولاً هؤلاء إلى الحق ببيان الحق وإيضاحه بأدلته ، والحق مقبول لدى كل ذي فطرة سليمة ، فإذا وجد العناد والاستكبار فإننا نبين باطلهم ، على أن بيان باطلهم في غير مجادلتهم أمر واجب‏.‏

أما هجرهم فهذا يترتب على البدعة ، فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره ، وإذا كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره ؛ إن كان في هجره مصلحة فعلناه ، وإن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه ، وذلك أن الأصل في المؤمن تحريم هجره لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ‏:‏ ‏(‏لا يحل لرجل مؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث‏)‏ فكل مؤمن وإن كان فاسقاً فإنه يحرم هجره مالم يكن في الهجر مصلحة ، فإذا كان في الهجر مصلحة هجرناه ، لأن الهجر حينئذ دواء ، أما إذا لم يكن فيه مصلحة أو كان فيه زيادة في المعصية والعتو، فإن ما لا مصلحة فيه تركه هو المصلحة‏.‏

فإن قال قائل ‏:‏ يرد على ذلك أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، هجر كعب بن مالك وصاحبيه الذين تخلفوا عن غزوة تبوك‏؟‏

فالجواب ‏:‏ أن هذا حصل من النبي، صلى الله عليه وسلم ، وأمر الصحابة بهجرهم لأن في هجرهم فائدة عظيمة ، فقد ازدادوا تمسكاً بما هم عليه حتى إن كعب بن مالك - رضي الله عنه- جاءه كتاب من ملك غسان يقول ‏:‏ فيه بأنه سمع أن صاحبك - يعني الرسول، صلى الله عليه وسلم - قد جفاك وأنك لست بدار هوان ولا مذلة فالحق بنا نواسك ‏.‏ فقام كعب مع ما هو عليه من الضيق والشدة وأخذ الكتاب وذهب به وأحرقه في التنور ‏.‏ فهؤلاء حصل في هجرهم مصلحة عظيمة ، ثم النتيجة التي لا يعادلها نتيجة أن الله أنزل فيهم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة قال- تعالى - ‏:‏ ‏{‏لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم ‏.‏ وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم‏}‏ الآيتان‏.‏

كيف نرد على أهل البدع الذين يستدلون على بدعهم بحديث ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إلخ‏؟‏

‏(‏348‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ كيف نرد على أهل البدع الذين يستدلون على بدعهم بحديث ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏)‏ إلخ‏؟‏ ‏.‏

فأجاب بقوله ‏:‏ نرد على هؤلاء فنقول ‏:‏ إن الذي قال ‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها‏)‏ ‏.‏ هو الذي قال‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار‏)‏‏.‏ وعلى هذا يكون قوله‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة‏)‏ ‏.‏ منزلاً على سبب هذا الحديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة للقوم الذين جاؤوا من مضر في حاجة وفاقة فجاء رجل بصرة من فضة فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة‏)‏ ‏.‏ وإذا عرفنا سبب الحديث وتنزل المعنى عليه تبين أن المراد بسن السنة سن العمل بها ، وليس سن التشريع لأن التشريع لا يكون إلا لله ورسوله ، وأن معنى الحديث من سن سنة أي ابتدأ العمل بها واقتدى الناس به فيها، كان له أجرها وأجر من عمل بها ، هذا هو معنى الحديث المتعين، أو يحمل على أن المراد ‏(‏من سن سنة حسنة‏)‏ من فعل وسيلة يتوصل بها إلى العبادة واقتدى الناس به فيها، كتأليف الكتب، وتبويب العلم ، وبناء المدارس ، وما أشبه هذا مما يكون وسيلة لأمر مطلوب شرعاً‏.‏ فإذا ابتدأ الإنسان هذه الوسيلة المؤدية للمطلوب الشرعي وهي لم ينه عنها بعينها ، كان داخلاً في هذا الحديث‏.‏

ولو كان معنى الحديث أن الإنسان له أن يشرع ما شاء ، لكان الدين الإسلامي لم يكمل في حياة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ولكان لكل أمة شرعة ومنهاج ، وإذا ظن هذا الذي فعل هذه البدعة أنها حسنة فظنه خاطئ لأن هذا الظن يكذبه قول الرسول ، عليه الصلاة والسلام ‏:‏ ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏ ‏.‏

حكم إظهار الفرح والسرور بعيد الفطر وعيد الأضحى‏؟‏ وبليلة السابعة والعشرين من رجب‏؟‏ وليلة النصف من شعبان‏؟‏ ويوم عاشوراء‏؟‏

‏(‏349‏)‏ وسئل - حفظه الله- ‏:‏ عن حكم إظهار الفرح والسرور بعيد الفطر وعيد الأضحى‏؟‏ وبليلة السابعة والعشرين من رجب‏؟‏ وليلة النصف من شعبان‏؟‏ ويوم عاشوراء‏؟‏‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أما إظهار الفرح والسرور في أيام العيد عيد الفطر أو عيد الأضحى فإنه لا بأس به إذا كان في الحدود الشرعية ومن ذلك أن يأتي الناس بالأكل والشرب وما أشبه هذا وقد ثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال‏:‏ ‏(‏أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله - عز وجل-‏)‏ يعني بذلك الثلاثة الأيام التي بعد عيد الأضحى المبارك وكذلك في العيد فالناس يضحون ويأكلون من ضحاياهم ويتمتعون بنعم الله عليهم ، وكذلك في عيد الفطر لا بأس بإظهار الفرح والسرور مالم يتجاوز الحد الشرعي‏.‏

أما إظهار الفرح في ليلة السابع والعشرين من رجب ، أو ليلة النصف من شعبان أو في يوم عاشوراء، فإنه لا أصل له وينهى عنه ولا يحضر الإنسان إذا دعي إليه لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ‏:‏ ‏(‏إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة‏)‏ ‏.‏ فأما ليلة السابع والعشرين من رجب فإن الناس يدعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول ، صلى الله عليه وسلم ، فيها إلى الله - عز وجل - وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية وكل شيء لم يثبت فهو باطل ، والمبني على الباطل باطل ثم على تقدير ثبوت أن ليلة المعراج ليلة السابع والعشرين من رجب ، فإنه لا يجوز لنا أن نحدث فيها شيئاً من شعائر الأعياد أو شيئاً من العبادات؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه فإذا كان لم يثبت عمن عرج به ولم يثبت عن أصحابه الذين هم أولى الناس به وهم أشد الناس حرصاً على سنته وشريعته، فكيف يجوز لنا أن نحدث مالم يكن على عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في تعظيمها ولا في إحيائها ، وإنما أحياها بعض التابعين بالصلاة والذكر لا بالأكل والفرح وإظهار شعائر الأعياد‏.‏

وأما يوم عاشوراء فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، سئل عن صومه فقال‏:‏ ‏(‏يكفر السنة الماضية‏)‏ يعني التي قبله وليس في هذا اليوم شيء من شعائر الأعياد وكما أنه ليس فيه شيء من شعائر الأعياد فليس فيه شيء من شعائر الأحزان أيضاً فإظهار الحزن أو الفرح في هذا اليوم كلاهما خلاف السنة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم إلا صيامه‏.‏ مع أنه ، صلى الله عليه وسلم ، أمر أن نصوم يوماً قبله أو يوماً بعده حتى نخالف اليهود الذين كانوا يصومونه وحده‏.‏

حكم الاحتفال بالمولد النبوي

‏(‏350‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ‏:‏ عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي ‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ أولاً ‏:‏ ليلة مولد الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ليست معلومة على الوجه القطعي ، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية‏.‏

ثانياً ‏:‏ من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضاً لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي ، صلى الله عليه وسلم، أو بلغه لأمته ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظاً لأن الله- تعالى- يقول ‏:‏ ‏{‏إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏}‏ فلما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس من دين الله ، وإذا لم يكن من دين الله فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد به لله - عز وجل - ونتقرب به إليه ، فإذا كان الله تعالى - قد وضع للوصول إليه طريقاً معيناً وهو ما جاء به الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، فكيف يسوغ لنا ونحن عباد أن نأتي بطريق من عند أنفسنا يوصلنا إلى الله‏؟‏ هذا من الجناية في حق الله - عز وجل- أن نشرع في دينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله - عز وجل-‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي‏}‏ ‏.‏

فنقول ‏:‏هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلا بد أن يكون موجوداً قبل موت الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين لأن الله - تعالى - يقول ‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم‏}‏ ومن زعم أنه من كمال الدين وقد حدث بعد الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة، ولا ريب أن الذين يحتفلون بمولد الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، إنما يريدون بذلك تعظيم الرسول ،عليه الصلاة والسلام، وإظهار محبته وتنشيط الهمم على أن يوجد منهم عاطفة في ذلك الاحتفال للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وكل هذا من العبادات ؛ محبة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، عبادة بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول، صلى الله عليه وسلم ، أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين ، وتعظيم الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، من العبادة ، كذلك إلهاب العواطف نحو النبي ، صلى الله عليه وسلم ، من الدين أيضاً لما فيه من الميل إلى شريعته ، إذاً فالاحتفال بمولد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، من أجل التقرب إلى الله وتعظيم رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، عبادة وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أبداً أن يحدث في دين الله ما ليس منه ، فالاحتفال بالمولد بدعة ومحرم ، ثم إننا نسمع أنه يوجد في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة مالا يقره شرع ولا حس ولا عقل فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، حتى جعلوه أكبر من الله - والعياذ بالله- ومن ذلك أيضاً أننا نسمع من سفاهة بعض المحتفلين أنه إذا تلا التالي قصة المولد ثم وصل إلى قوله ‏"‏ ولد المصطفى‏"‏ قاموا جميعاً قيام رجل واحد يقولون ‏:‏ إن روح الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، حضرت فنقوم إجلالاً لها وهذا سفه ، ثم إنه ليس من الأدب أن يقوموا لأن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، كان يكره القيام له فأصحابه وهم أشد الناس حبّاً له وأشد منا تعظيماً للرسول ، صلىالله عليه وسلم، لا يقومون له لما يرون من كراهيته لذلك وهو حي فكيف بهذه الخيالات‏؟‏‏!‏

وهذه البدعة - أعني بدعة المولد - حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين فضلاً عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات‏.‏

الفرق بين ما يسمى بأسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - والاحتفال بالمولد النبوي حيث ينكر على من فعل الثاني دون الأول

‏(‏351‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏عن الفرق بين ما يسمى بأسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - والاحتفال بالمولد النبوي حيث ينكر على من فعل الثاني دون الأول‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الفرق بينهما حسب علمنا من وجهين ‏:‏

الأول ‏:‏ أن أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - لم يتخذ تقرباً إلى الله - عز وجل - وإنما يقصد به إزالة شبهة في نفوس بعض الناس في هذا الرجل ويبين ما من الله به على المسلمين على يد هذا الرجل‏.‏

الثاني‏:‏ أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لا يتكرر ويعود كما تعود الأعياد، بل هو أمر بين للناس وكتب فيه ما كتب ، وتبين في حق هذا الرجل ما لم يكن معروفاً من قبل لكثير من الناس ثم انتهى أمره‏.‏

حكم إقامة الأسابيع كأسبوع المساجد وأسبوع الشجرة

‏(‏352‏)‏ وسئل ‏:‏ عن حكم إقامة الأسابيع كأسبوع المساجد وأسبوع الشجرة‏؟‏‏.‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذه الأسابيع لا أعلم لها أصلاً من الشرع وإذا اتخذت على سبيل التعبد وخصصت بأيام معلومة تصير كالأعياد فإنها تلتحق بالبدعة ؛ لأن كل شيء يتعبد به الإنسان لله - عز وجل - وهو غير وارد في كتاب الله ولا في سنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، فإنه من البدع ‏.‏ لكن الذين نظموها يقول ‏:‏ون ‏:‏ إن المقصود بذلك هو تنشيط الناس على هذه الأعمال التي جعلوا لها هذه الأسابيع وتذكيرهم بأهميتها ‏.‏ ويجب أن ينظر في هذا الأمر وهل هذا مسوغ لهذه الأسابيع أو ليس بمسوغ‏؟‏

حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم

‏(‏353‏)‏ وسئل أيضاً ‏:‏ عن حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً ، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله - سبحانه وتعالى - ، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام ؛ وهي عيد الفطر ، وعيد الأضحى ، وعيد الأسبوع ‏"‏يوم الجمعة‏"‏ وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة ، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله - سبحانه وتعالى- لقول النبي، صلى الله عليه وسلم ، ‏:‏ ‏(‏من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد‏)‏ ‏.‏ أي مردود عليه غير مقبول عند الله وفي لفظ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ ‏.‏ وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم ، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد ؛ كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك ، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله - تعالى- ورسوله ، صلى الله عليه وسلم ، في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله - تعالى - لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه ، والذي ينبغي للمسلم أيضاً ألا يكون إمعة يتبع كل ناعق بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضى شريعة الله - تعالى- حتى يكون متبوعاً لا تابعاً ، وحتى يكون أسوة لا متأسياً ، لأن شريعة الله - والحمد لله - كاملة من جميع الوجوه كما قال الله - تعالى-‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً‏}‏‏.‏ والأم أحق من أن يحتفى بها يوماً واحداً في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله - عز وجل - في كل زمان ومكان‏.‏

عن حكم إقامة أعياد الميلاد للأولاد أو بمناسبة الزواج

‏(‏354‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم إقامة أعياد الميلاد للأولاد أو بمناسبة الزواج‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ ليس في الإسلام أعياد سوى يوم الجمعة عيد الأسبوع ، وأول يوم من شوال عيد الفطر من رمضان ، والعاشر من شهر ذي الحجة عيد الأضحى وقد يسمى يوم عرفة عيداً لأهل عرفة وأيام التشريق أيام عيد تبعاً لعيد الأضحى‏.‏

وأما أعياد الميلاد للشخص أو أولاده ، أو مناسبة زواج ونحوها فكلها غير مشروعة وهي للبدعة أقرب من الإباحة‏.‏

حكم أعياد الميلاد

‏(‏355‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم أعياد الميلاد‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ يظهر من السؤال أن المراد بعيد الميلاد عيد ميلاد الإنسان ، كلما دارت السنة من ميلاده أحدثوا له عيداً تجتمع فيه أفراد العائلة على مأدبة كبيرة أو صغيرة‏.‏

وقولي في ذلك أنه ممنوع لأنه ليس في الإسلام عيد لأي مناسبة سوى عيد الأضحى ، وعيد الفطر من رمضان ، وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة وفي سنن النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‏:‏كان لأهل الجاهلية، يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي ، صلى الله عليه وسلم، المدينة قال ‏:‏ ‏(‏كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد بدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى‏)‏ ‏.‏ ولأن هذا يفتح باباً إلى البدع مثل أن يقول ‏:‏ قائل ‏:‏ إذا جاز العيد لمولد المولود فجوازه لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أولى وكل ما فتح باباً للمنوع كان ممنوعاً ‏.‏ والله الموفق ‏.‏

حكم إقامة حفل توديع للكافر عند انتهاء عمله‏؟‏ وحكم تعزية الكافر‏؟‏ وحكم حضور أعياد الكفار

‏(‏356‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم إقامة حفل توديع للكافر عند انتهاء عمله‏؟‏ وحكم تعزية الكافر‏؟‏ وحكم حضور أعياد الكفار‏؟‏ ‏.‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا السؤال تضمن مسائل ‏:‏

الأولى ‏:‏ إقامة حفل توديع لهؤلاء الكفار0 لا شك أنه من باب الإكرام أو إظهار الأسف على فراقهم ، وكل هذا حرام في حق المسلم قال النبي ، صلىالله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه ‏)‏ ‏.‏ والإنسان المؤمن حقاً لا يمكن أن يكرم أحداً من أعداء الله- تعالى- والكفار أعداء الله بنص القرآن قال الله -تعالى-‏:‏ ‏{‏من كان عدوّاً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين‏}‏ ‏.‏

المسألة الثانية ‏:‏ تعزية الكافر إذا مات له من يعزى به من قريب أو صديق ‏.‏ وفي هذا خلاف بين العلماء فمن العلماء من قال ‏:‏ إن تعزيتهم حرام ، ومنهم من قال ‏:‏ إنها جائزة ‏.‏ ومنهم من فصل في ذلك فقال ‏:‏ إن كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامهم ، وكف شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم ، فهو جائز وإلا كان حراماً ‏.‏

والراجح أنه إن كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً وإلا فينظر في المصلحة‏.‏

المسألة الثالثة ‏(‏1‏)‏‏:‏ حضور أعيادهم ومشاركتهم أفراحهم ، فإن كانت أعياداً دينية كعيد الميلاد فحضورها حرام بلا ريب قال ابن القيم - رحمه الله -‏:‏ لا يجوز الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم‏.‏ والله الموفق‏.‏

حكم استئجار قارئ ليقرأ القرآن الكريم على روح الميت

‏(‏357‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم استئجار قارئ ليقرأ القرآن الكريم على روح الميت‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا من البدع وليس فيه أجر لا للقارئ ولا للميت ، ذلك لأن القارئ إنما قرأ للدنيا والمال فقط وكل عمل صالح يقصد به الدنيا فإنه لا يقرب إلى الله ولا يكون فيه ثواب عند الله، وعلى هذا فيكون هذا العمل - يعني استئجار شخص ليقرأ القرآن الكريم على روح الميت - يكون هذا العمل ضائعاً ليس فيه سوى إتلاف المال على الورثة فليحذر منه فإنه بدعة ومنكر‏.‏

حكم المآتم

‏(‏358‏)‏ وسئل - حفظه الله تعالى- ‏:‏ عن حكم المآتم ‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏المآتم كلها بدعة سواء كانت ثلاثة أيام ، أو على أسبوع ، أو على أربعين يوماً، لأنها لم ترد من فعل السلف الصالح - رضي الله عنهم - ولو كان خيراً لسبقونا إليه ، ولأنها إضاعة مال ، وإتلاف وقت وربما يحصل فيها شيء من المنكرات من الندب والنياحة ما يدخل في اللعن فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لعن النائحة والمستمعة‏.‏

ثم إنه إن كان من مال الميت - من ثلثه أعني - فإنه جناية عليه لأنه صرف له في غير الطاعة ، وإن كان من أموال الورثة فإن كان فيهم صغار أو سفهاء لا يحسنون التصرف فهو جناية عليهم أيضاً ، لأن الإنسان مؤتمن في أموالهم فلا يصرفها إلا فيما ينفعهم ، وإن كان لعقلاء بالغين راشدين فهو أيضاً سفه ، لأن بذل الأموال فيما لا يقرب إلى الله أو لا ينتفع به المرء في دنياه من الأمور التي تعتبر سفهاً ،ويعتبر بذل المال فيها إضاعة له وقد نهى النبي، صلى الله عليه وسلم ، عن إضاعة المال ، والله ولي التوفيق ‏.‏

حكم التلاوة لروح الميت

‏(‏359‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم التلاوة لروح الميت ‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ التلاوة لروح الميت يعني أن يقرأ القرآن وهو يريد أن يكون ثوابه لميت من المسلمين هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم على قولين ‏:‏

القول الأول‏:‏ أن ذلك غير مشروع وأن الميت لا ينتفع به أي لا ينتفع بالقرآن في هذه الحال‏.‏

القول الثاني‏:‏ أنه ينتفع بذلك وأنه يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن بنية أنه لفلان أو فلانة من المسلمين، سواء كان قريباً أو غير قريب‏.‏

والراجح ‏:‏ القول الثاني لأنه ورد في جنس العبادات جواز صرفها للميت ، كما في حديث سعد ابن عبادة - رضي الله عنه - حين تصدق ببستانه لأمه ، وكما في قصة الرجل الذي قال للنبي ،صلى الله عليه وسلم ‏:‏إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها‏؟‏ قال النبي ،صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏ وهذه قضايا أعيان تدل على أن صرف جنس العبادات لأحد من المسلمين جائز وهو كذلك ، ولكن أفضل من هذا أن تدعو للميت ، وتجعل الأعمال الصالحة لنفسك لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ ‏(‏إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ‏:‏ صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له‏)‏‏.‏ ولم يقل ‏:‏ أو ولد صالح يتلو له أو يصلي له أو يصوم له أو يتصدق عنه بل قال‏:‏ - ‏(‏أو ولد صالح يدعو له‏)‏ والسياق في سياق العمل ، فدل ذلك على أن الأفضل أن يدعو الإنسان للميت لا أن يجعل له شيئاً من الأعمال الصالحة ، والإنسان محتاج إلى العمل الصالح، أن يجد ثوابه له مدخراً عند الله- عز وجل- ‏.‏ أما ما يفعله بعض الناس من التلاوة للميت بعد موته بأجرة ، مثل أن يحضروا قارئاً يقرأ القرآن بأجرة ، ليكون ثوابه للميت فإنه بدعة ولا يصل إلى الميت ثواب؛ لأن هذا القارئ إنما قرأ لأجل الدنيا ومن أتى بعبادة من أجل الدنيا فإنه لا حظ له منها في الآخرة كما قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ‏.‏ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون‏}‏ ‏.‏

وإني بهذه المناسبة أوجه نصيحة لإخواني الذين يعتادون مثل هذا العمل أن يحفظوا أموالهم لأنفسهم أو لورثة الميت ، وأن يعلموا أن هذا العمل بدعة في ذاته ، وأن الميت لا يصل إليه ثوابه وحينئذٍ يكون أكلاً للأموال بالباطل ولم ينتفع الميت بذلك‏.‏

حكم الاجتماع عند القبر والقراءة‏؟‏ وهل ينتفع الميت بالقراءة أم لا‏؟‏

‏(‏360‏)‏ وسئل أيضاً‏:‏ عن حكم الاجتماع عند القبر والقراءة‏؟‏ وهل ينتفع الميت بالقراءة أم لا‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا العمل من الأمور المنكرة التي لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح وهو الاجتماع عند القبر والقراءة‏.‏

وأما كون الميت ينتفع بها فنقول‏:‏ إن كان المقصود انتفاعه بالاستماع فهذا منتفٍ ، لأنه قد مات وقد ثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ‏:‏ ‏(‏إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث ‏:‏ صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له‏)‏ ‏.‏ فهو وإن كان يسمع إذا قلنا بأنه يسمع في هذه الحال فإنه لا ينتفع ، لأنه لو انتفع لزم منه ألا ينقطع عمله ، والحديث صريح في حصر انتفاع الميت بعمله بالثلاث التي ذكرت في الحديث‏.‏

وأما إن كان المقصود انتفاع الميت بالثواب الحاصل للقارئ ، بمعنى أن القارئ ينوي بثوابه أن يكون لهذا الميت ، فإذا تقرر أن هذا من البدع فالبدع لا أجر فيها ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏ كما قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن تنقلب الضلالة هداية ، ثم إن هذه القراءة في الغالب تكون بأجرة ، والأجرة على الأعمال المقربة إلى الله باطلة ، والمستأجر للعمل الصالح إذا نوى بعمله الصالح - هذا الصالح من حيث الجنس وإن كان من حيث النوع ليس بصالح كما سيتبين إن شاء الله - إذا نوى بالعمل الصالح أجراً في الدنيا ، فإن عمله هذا لا ينفعه ولايقربه إلى الله ولا يثاب عليه لقوله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ‏.‏ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون‏}‏‏.‏ فهذا القارئ الذي نوى بقراءته أن يحصل على أجر دنيوي نقول له ‏:‏ هذه القراءة غير مقبولة ، بل هي حابطة ليس فيها أجر ولا ثواب وحينئذ لا ينتفع الميت بما أهدي إليه من ثوابها لأنه لا ثواب فيها ، إذاً فالعملية إضاعة مال، وإتلاف وقت ، وخروج عن سبيل السلف الصالح - رضي الله عنهم - لا سيما إذا كان هذا المال المبذول من تركة الميت وفيها حق قصر وصغار وسفهاء فيأخذ من أموالهم ما ليس بحق فيزاد الإثم إثماً‏.‏ والله المستعان ‏.‏

حكم إهداء القراءة للميت

‏(‏361‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى-‏:‏ عن حكم إهداء القراءة للميت‏؟‏ ‏.‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا الأمر يقع على وجهين ‏:‏ أحدهما ‏:‏ أن يأتي إلى قبر الميت فيقرأ عنده ، فهذا لا يستفيد منه الميت ؛ لأن الاستماع الذي يفيد من سمعه إنما هو في حال الحياة حيث يكتب للمستمع ما يكتب للقارئ ،وهنا الميت قد انقطع عمله كما قال النبي ، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له‏)‏ ‏.‏

الوجه الثاني ‏:‏ أن يقرأ الإنسان القرآن الكريم تقرباً إلى الله - سبحانه وتعالى - ويجعل ثوابه لأخيه المسلم أو قريبه فهذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم‏:‏

فمنهم من يرى أن الأعمال البدنية المحضة لا ينتفع بها الميت ولو أهديت له ؛ لأن الأصل أن العبادات مما يتعلق بشخص العابد ، لأنها عبارة عن تذلل وقيام بما كلف به وهذا لا يكون إلا للفاعل فقط ، إلا ما ورد النص في انتفاع الميت به فإنه حسب ما جاء في النص يكون مخصصاً لهذا الأصل‏.‏

ومن العلماء من يرى أن ما جاءت به النصوص من وصول الثواب إلى الأموات في بعض المسائل ، يدل على أنه يصل إلى الميت من ثواب الأعمال الأخرى ما يهديه إلى الميت‏.‏

ولكن يبقى النظر هل هذا من الأمور المشروعة أو من الأمور الجائزة بمعنى هل نقول ‏:‏ إن الإنسان يطلب منه أن يتقرب إلى الله- سبحانه وتعالى - بقراءة القرآن الكريم ، ثم يجعلها لقريبه أو أخيه المسلم ، أو أن هذا من الأمور الجائزة التي لا يندب إلى فعلها ‏.‏

الذي نرى أن هذا من الأمور الجائزة التي لا يندب إلى فعلها وإنما يندب إلى الدعاء للميت والاستغفار له وما أشبه ذلك مما نسأل الله- تعالى - أن ينفعه به، وأما فعل العبادات وإهداؤها فهذا أقل ما فيه أن يكون جائزاً فقط وليس من الأمور المندوبة ، ولهذا لم يندب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أمته إليه بل أرشدهم إلى الدعاء للميت فيكون الدعاء أفضل من الإهداء‏.‏